غير مصنف

المخيمات الفلسطينية و التمرين الثوري بقلم ظافر الخطيب

دونما سابق إنذار تحركت الجماهير الفلسطينية في لبنان و غيرت المشهد الفلسطيني من حالٍ الى حالٍ اخرى وأعادت فرض الإيقاع الثوري من جديد،  ضاربةً بعرض الحائط ودفعةً واحدة كل التحليلات والتقديرات، الاستخلاصات والإستنتاجات، حول الإحباط ،الإستسلام والتخلي.  اكثر من ذلك، أجهزت الجماهير الشعبية بشيبها وشبابها، رجالها، نسائها و اطفالها، على كل عمليات التغيير من فوق ، ونسفت منهجيات التدجين و الترهيب التي اشْتُغلَ عليها عقود من الزمن وصار لزاماً على المشغلين و المشتغلين إما الإستسلام لقدرية الفلسطيني و رسالته، او صرف موازنات عمل جديدة  لن يكون مصيرها بافضل من سابقاتها.

ان طبيعة الحركة الشعبية مسبباتها المباشرة و الغير مباشرة، لا سيما تلك التي تتعلق بنتاج الممارسات السلبية الطويلة التي مورست معه وعليه،إن كان على صعيد البلادة الفلسطينية الداخلية (المرجعيات) و تباطئها الشديد لا بل تخليها الكامل عن الانشغال بالعناونين الفلسطينية فوق الأمنية، او على صعيد تمسك السلطة اللبنانية بالصيغة ذاتها التي فرضتها تغير موازين القوى الداخلية بعد الخروج الفلسطيني من بيروت،وهي ممارسات ترقى الى مستوى التمييز السلبي ضد فئة من السكان و تبطن في داخلها عواطف سلبية(كراهية)،تقبل الفلسطيني كأمر واقع و في ابعد تقدير تتعامل معه كورقة سياسية ثمينة، و إن كان التعميم خاطىء  من حيث أن هناك عدد كبير من أبناء الشعب اللبناني لا يتفق مع هذه المنهجية في التعامل.

وعلى نفس القدر من الأهمية في طرح الأسباب العميقة للهبة الشعبية، يجب تظهير العناوين و الإشكاليات التي طرحتها وتفرض في ذات الوقت على الوعي الفلسطيني و اللبناني التعامل معها من موقع الإعتراف بها فما بعد لن يكون تماماً كما قبل، ومن تلك العناوين:

  • ان الفلسطيني تعافى من التعبئة السلبية خلال الأزمة السورية، و أنه عاد يصطف مع جوهره المقاوم دفاعاً عن حقه في العودة، و من اجل ذلك يطرح تغيير منطق التعامل بحيث يصير اقدر على المشاركة في المواجهة دفاعاً عن المصلحتين اللبنانية و الفلسطينية معاً.
  • كشفت الهبة الشعبية العيوب التي تشوب بنية المرجعيات السياسية و ذهنياتها و أدائها و فرض في ذات الوقت ظهور مكونات اجتماعية فاعلة و مؤثرة في الشارع الفلسطيني و اكثر من ذلك تمتلك عناصر ومهارات القيادة و هي تحظى باحترام و تقدير القاعدة من موقع أنها تعيش معها و بينها ولا تمتلك امتيازات، وهو ما يعني ان هناك تحولا جديدا في المجتمع الفلسطيني.
  • هذا التحول يجب قراءته جيدا، و التدقيق في مساراته، وهو ما يعني ان المجتمع الفلسطيني يضبط إيقاع التغيير الحاسم في هويته و علاقاته، و نظرته لمستقبله، لا بل في مرجعياته السياسية و الاجتماعية.
  • التوازن بين المنظومة الجمعية و نظام المصلحة الفردية، فعلى مرّ عقدين من الزمن أو يزيد، سيطرت النزعة الفردية و الحلول الفردية، و غابت المشاعر الجمعية و مصلحة الجماعة، وهو ما اضعف بنية المجتمع الفلسطيني في لبنان، و منعه من الدفاع الإيجابي في التفاعل مع تطور المجتمع اللبناني.
  • خروج الفلسطيني من أسر العقدة الأمنية التي لطالما سيطرت او تحكمت بكل حركة المجتمع الفلسطيني وهو إنجاز لا بد من التمسك به على قاعدة احترام القوانين اللبنانية و الدفاع عن الأمن القومي اللبناني باعتباره واجب كل المقيمين على الاراضي اللبنانية، لا سيما و ان المشكلة ليست مع الجيش ولا مع الأجهزة الأمنية الموكل اليها حفظ أمن لبنان و من ضمنه المخيمات الفلسطينية،و ان التناقض في الأزمة الحالية بين سياسات تعسفية ظالمة تستبد بمصلحة اللاجئين الفلسطنيين في لبنان.
  • ظهور النساء الفلسطينيات و الشباب الفلسطيني كمكونين أساسيين في الهبة الشعبية، وهي فئات اجتماعية ظلت تتعرض للتهميش و إبعاد عن صناعة القرار وهو ما يستدعي تحويل الكم الى نوع من خلال الدفع بهاتين افئتين ليتخذا المكان لطبيعة لهما في الهيئات القيادية الفلسطينية
  • التفاعل الغير متناسب على مستوى القاعدة الشعبية اللبنانية، وهو ما يتطلب من القوى الغير متمذهبة و اليسارية تحديدا الى التعمق بظاهرة عدم التفاعل من قبل قوى اجتماعية تتشارك التهميش ذاته والمظلومية نفسها.
  • النظر الى الأورام الغير حميدة التي كشفت عن نفسها من خلال بسمومها القاتلة و التي يمكن اعتباراها مادة للمقاضاة امام القانون، ذلك ان من تداعيات السموم المبثوثة عبر مواقع التواصل الاجتماعي بث المزيد من الكراهية ضد الفلسطيني الانسان، و تعريضه بالتالي لمخاطر القتل و الإستهداف على اساس الهوية.

ان مهمة الحفاظ على هذه الدينامية الخلاقة للجماهير الفلسطينية، هي واجب الجميع،وعلى الرغم من كل الظروف المسيطرة و السائدة و عدم مصلحة البعض من ذلك، فإن ذلك أمراً متمكناً، يكفي أن نخرج بإنجازات جدية تفيد النضال من اجل  الحقوق المدنية و الاجتماعية، إنجازات تقنع الناس بأن جهودهم لم يفَرَط بها.

 

لقد انخرط شعبنا بكل ما فيه بحركة من اجل الحياة الحرة الكريمة، وهو لا يبحث عن تسجيل انتصارات او انكسارات لأي حد بل من اجل تكسير واقع الإذلال و الإهانة اليومية، تكسير بؤس الفلسطيني و انكشافه في لعبة الموازين و المتغيرات الداخلية و الخارجية، و بين معادلتي الموت و الحياة، قرر الفلسطيني الحياة و سوف يحيا.

زر الذهاب إلى الأعلى