غير مصنف

الكرة الفلسطينية في لبنان تدور حول نفسها

الكرة الفلسطينية في لبنان تدور حول نفسها

بقلم ظافر الخطيب

 

يشهد الوضع الفلسطيني في لبنان رتابة مخيفة، هو ذاته الخوف القادم من العام 1948، لكنه بمحتوى متطور، إذ أن السؤال فيه معدوم او محالٌ نحو الفراغ بحكم أنه محكومٌ ايضاً بمعادلة (صفرنتيجة)، أي ان هذا السؤال يبقى بلا جواب ، لماذا؟ ربما لأن المراد للوضع الفلسطيني في لبنان أن يبقى كذلك، جامد غير متحرك، غامض مع ميل واضح نحو السوداوية.

هذا  الإنطباع  يعود الى أن ما يحصل هو غير مألوف، فقد جرت العادة على ان نشهد حراكاً فلسطينياً على مستوى الإجتماعات من فوق لتحت، يترافق ذلك مع تكثيف للبيانات و حركة نشطة على مستوى استعراض الصور ، بغض النظر عن تهافت الصورة و عدم صدقها في نقل المحتوى الحقيقة للإجتماعات ، غير أنها كانت تلح  في التأكيد على أن شيئاً ما يدور على مستوى النقاش و ذات صلة بالقضايا الفلسطينية.

ويكاد المرء يصل الى قناعة أنه حتى الهزة الأرضية غير قادرة على تحريك هذا الوضع، فالكرة الفلسطينية في لبنان تكتفي بأن تدور حول نفسها دون أن تدرك المحيط المتحرك و تأثيره، لا يفيد في ذلك تقديم أمثلة او نماذج لقياس مدى الشلل والعجز وعمقه، ولا حتى  باستخدام ادوات الإستشعار لقياس النتائج الكارثية لبقاء هذه الحالة على ما هي عليه.

ان فهم الحالة الفلسطينية في لبنان يتطلب الكثير من الدراسة ، كذلك من الجهد والوقت ،وهي تحتاج الى توفر عناصر محددة للدارس والمدروس، باي حال، هناك خلل في منهجية العقل الفلسطيني الجمعي في لبنان، هذا على فرض أننا نمتلك عقلاً جمعياً فلسطينيا، برغم توفر كل عناصر امتلاك العقل الجمعي الفلسطيني ، على اعتبار إن المعاناة واحدة وكذلك الإستهداف.

و حتى لا يبتعد صاحب المقال عن غرضه، ينبغى التركيز على حالة الرتابة  الممزوجة بفراغ رمادي يميل نحو السوداوية، خاصة وأن كل ما في المحيط الموضوعي يثير القلق ، وإذا اعتبرنا أن القلق يثير الادرينالين وبالتالي يفتح الشهية امام العقل من اجل الحركة والعمل في السياق المحدد(المصلحة الفلسطينية العليا في لبنان)، فإن المستغرب ان لا يصير هذا القلق محركاً دافعاً للماكينة السياسية الفلسطينية من اجل الخروج من الحالة الذكورة.

المطروح امام الماكينة السياسية الفلسطينية في لبنان، الإحادية والجمعية ، فصائل سياسية، بلوكات سياسية ، ان تقف امام العناوين المطروحة، يهودية الدولة، القدس (عاصمة ابدية لاسرائيل)، تسارع حمى التغييرات الميدانية في الضفة، و فصلها عن ملف غزة على مستوى الإهتمام الدولي والإقليمي، غزة و العروض المطروحة، والتركيز على البعد الإقتصادي والإنساني، والإنروا و الضغط باتجاه وضع ملفها على طاولة البحث للنقاش حول مستقبلها ، تجاهل ملف العودة واللاجئين، كلها عناوين ينبغى الحذر من مساراتها و تجلياتها و تأثيراتها على الحالة الفلسطينية في لبنان.

كان المطلوب من الماكينة السياسية ان تتابع هذه التطورات عن كثب، و من ثم تحليلها ورصد المخاطر والتهديدات التي تمس المصلحة الفلسطينية العليا في لبنان، ناهيك عن اهمية التعامل مع الملفات المحلية  الاخرى والمرتبطة بخصوصية الوجود الفلسطيني في لبنان وارتباكات الوضع السياسي اللبناني ، وهي ملفات ما زالت عالقة ولم يتم تطويرها الى مستوى صياغة برنامج مهمات للمستوى السياسي الفلسطيني، كالتعامل اللبناني من منظار امني مع المخيمات وما يرتبه ذلك من اجراءات قاسية ، والحرمان المتواصل من الحقوق المدنية والإجتماعية وغير ذلك من ملفات.

يضاف الى ذلك سيطرة الفوضى على المخيمات الفلسطينية في ظل غياب المرجعيات الواحدة والموحدة للجهد الفلسطيني ، و حالة التراخي في مناقشة قضايا الناس، و تهميش الفئات الإجتماعية الفاعلة والمؤثرة في الواقع الفلسطيني في ظل فهم متخلف لماهية (القيادة) ودورها.

ان الممارسات القيادية ومباشرة المهمات والمسؤوليات تجاه مجموعة السكان المحددة (الفلسطينيون في لبنان)، هي وحدها العنصر المحدد لمن هو القائد، والتعريفات السابقة التي تستبد بتعريف ماهية القائد او الهيئات القيادية لم تعد صالحةinvalid)) باللغة الإنكليزية .

هذا يعني أنه وأمام حجم و نوعية القضايا المطروحة فإن المطلوب من الهيئات القيادية الحقيقية  و الجدية صياغة برنامج تحرك يتعامل مع :

  • العناوين السياسية المطروحة اعلاه بما تفرضه من مخاطر على قضية العودة واللاجئين الفلسطينيين في لبنان، وصياغة استراتيجية قادرة على استعادة المسيرة النضالية خلف حق العودة ، والتركيز على مخاطر استهداف الأنروا ، ناهيك عن التهديدات المباشرة التي يفرضها بقائها في وضعية العجز المالي على مستوى الخدمات و ما قد تؤدي إليه من تقليصات.
  • التركيز على ملف العلاقات اللبنانية الفلسطينية و اهمية اخراجها من حيز الجمود الى المطالبة الدائمة بتحسين الوضعية القانونية للاجئين الفلسطينيين في لبنان وهو ما يفرض بالضرورة مترتبات فلسطينية في تحقيق الإستقرار الامني في المخيمات الفلسطينية، اي تنظيم المجتمع الفلسطيني كحالة تدعم السلم المدني في لبنان و يفرض بدوره مترتبات على المستوى الرسمي اللبناني من خلال منح الفلسطينيين في لبنان حقوقهم المدنية والإجتماعية.
  • التعامل مع قضايا فلسطينية محلية وهي كثيرة ،كالفقر و تدني مستوى المعيشة وارتفاع نسبة البطالة، التسرب المدرسي وعمالة الاطفال، التفكك الاجتماعي وارتفاع نسب الطلاق في ظل تراجع نسبة الزواج، تدني نسبة النمو السكاني و الخلل في التوازن على اساس الجنس(اناث ذكور)،انتشار الادمان على المخدرات على الرغم من ان هذه الظاهرة ليست ظاهرة فلسطينية بقدر ما هي مرتبطة بمثيلتها اللبنانية ، ارتفاع نسبة الهجرة الى الخارج بما يؤدي معه الى تفكك الاسرة الفلسطينية، محاربة ظاهرة التطرف الداخلي(التعصب) بمعناه الواسع، فالتعصب لهذا الفصيل او ذاك انتج مجموعات اجتماعية غير متجانسبة و يكاد يفكك النسيج الفلسطيني بمعناه العميق… الخ.

ان مثل هذا البرنامج صعب وصعب جداً، و انطلاقاُ من ارث الممارسات القيادية (في لبنان حصراً)،فإنها لا تستطيع وحدها مواجهة التحديات والمخاطر ، بل تحتاج الى تطوير او تغيير  على مستوى ماهية الهيئات القيادية الفلسطينية من حيث الشكل والمضمون، وهو ما يتطلب من القيادة الفلسطينية أن تتواضع من حيث قدراتها وامكاناتها، خاصة وأنها لا تتحمل المسؤولية بمفردها عن النتائج الكارثية، فالمشكلة اكبر بابعادها اللبنانية ، الإقليمية والدولية، كما يقع على عاتقها مصارحة الناس بالحقيقة كاملةُ و ان تطلب الإسناد من كافة الفئات الإجتماعية وهو ما يؤسس لقاعدة العمل التشاركي والتعاوني بما يؤدي الى وحدة المجتمع الفلسطيني في لبنان في تعاطيه مع قضاياه ، كما يؤدي بدوره الى تكريس قاعدة  توزيع الواجبات والمسؤوليات.

 

 

 

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى